خطايا بريئه بقلم ميرا كريم

خطايا بريئه بقلم ميرا كريم

موقع أيام نيوز

ويساعدها على تخطي الألم ثم ذهب واغلق نور الغرفة وقبل أن تصيح وتذكره انها تكره الظلام وتكره أن تكون بمفردها به شعرت به يجلس خلفها على طرف الفراش ويده أخذت طريقها لمؤخرة عنقها يدلكها بحركات دائرية حسية تعرف كيف تصل لمراكز الألم بينما هي أغمضت عيناها بقوة واستسلمت لمحاولته في مساعدتها ورغم أن الصداع مازال يفتك بها إلا أن لمساته الحانية جعلتها تستجمع شجعتها وتهمس بأسمه بنبرة مغلفة بالاحتياج جعلت طبول قلبه تقرع من أجلها 
يامن...
لم يمنحها فرصة لقول شيء بل قاطعها بنبرة حانية مطمئنة افتقدتها منه بشدة 
ششششش متتكلميش ...مش وقت كلام وحاولي ترخي اعصابك هتبقي أحسن
كانت ساهمة وكأنه أتى بها لعالم موازي لا يمت لعالمها بشيء فكانت نظراتها منبهرة تتأمل كل شيء بتمعن شديد بدء من منطقتهم الشعبية التي تضج بالضجيج إلى كل ركن تقع عيناها عليه بمنزلهم المتواضع فكان الأثاث والفرش رغم بساطته إلا انه اشعرها براحة غريبة ودفء لم تشعر به قط بقصر أبيها
ما تاكلي يا ميرال ولا اكلي مش عجبك
قالتها شهد وهي تقدم لها الطعام بحفاوة كبيرة و بترحاب اشعرها بالألفة وانتمائها لحيث يكون.
لتبتسم بأمتنان و تنفي برأسها وتقول بعفوية 
لا ابدا يا شهد... تسلم ايدك الأكل طعمه حلو أوي أنا كنت فاكرة محمد بيبالغ لما قالي أكلك حلو بس بصراحة طلع معاه حق
تنهدت شهد وقالت بمحبة خالصة لأخيها الذي يجلس بجانبها وهي تربت على يده المسنودة على الطاولة 
ده قلب أخته ومليش في الدنيا غيره وعلطول كده طالع بيا السما ورافع من روحي المعنوية
تناوبت ميرال نظراتها بينهم وبين يد شقيقته التي تستقر فوق يده وكم تمنت أن تكون محلها فهي تقسم إن فعلت وتشبثت بها لن تفلتها مداد الدهر ولكن متى وكيف وهو يتجاهل كافة تلميحاتها ويتعامل معها بثبات غريب حتى جعلها تظنه متلبد المشاعر و بلا قلب
كانت تتطلع له أثناء شرودها بطريقة جعلت شهد تشعر بالريبة منها وخاصة عندما وجدت شقيقها يرتبك ويدعي انشغاله بالطعام حين قالت 
محمد جدع وراجل بجد يعتمد عليه ربنا يخليكم لبعض يا شهد وميحرمكوش من بعض ابدا
اجابتها شهد بمجاملة تحمل رسالة مخفية بين طياتها 
يارب يا حبيبتي ... ويرزقك بأبن الحلال اللي بتتمنيه
اندثرت بسمتها لثوان و تعلقت عيناها به وكأن كافة امنيتها تختصر عليه بينما هو شعر بانقباض قلبه عندما خيل برأسه انتماءها لرجل آخر ليحتج قلبه بين احشائه صارخا عندما منحته تلك النظرات الناطقة التي تزلزل قاع قلبه وتطيح به ورغم انه قاوم وجاهدا ذاته كي يخفي ما يختلج بداخله

ولكن عينه آبت أن تتهرب منها ككل مرة بل أخذت مداد من بحر عيناها جسر طويل المدى كي يروي قلبه الذي اصبح يهيم بها.
دام تشابك نظراتهم لثوان معدودة قبل أن تدس شهد بفمه ملعقة ممتلئة بالأرز قائلة 
كل يا حبيبي دي مش اكلتك
تفاجأ من فعلتها لا والأنكى أنه غص بالطعام وسعل بقوة على آثارها لتشهق ميرال وتناوله كوب الماء الموضوع أمامها ويتناوله ويرتشف عدة رشفات منه بينما شهد هبت واقفة ټضرب على ظهره بقوة قائلة 
يالهوي يارتني ما نطقت باين عليا حسدتك
زجرها محمد كي تكف عن مزاحها وابعدها عنه منزعج 
يا ستار عليك خلاص بقيت كويس وبطلي هزار البوابين ده كنت هتموتيني
لوحت شهد بيدها وجلست قائلة وهي تغمز له بعيناها 
يعني ده جزاتي كنت هتروح في شربة ميه قولت ألحقك
هز رأسه بلا فائدة فهو يعلم ماذا تقصد بحديثها لذلك زجرها وقال ببسمة متوعدة تعلم ما يحل بعدها 
خلاص يا شهد حصل خير بطلي رغي وكلي وسيبي الضيفة تاكل
بدل ما أقسم بالله هعلقك زي ما بعلق بنتك في النجفة
قهقت الصغيرة بينما تراجعت شهد ومطت فمها وأنبته وهي تدعي الحزن 
كده يا حمود اختك حبيبتك تهون عليك تهزقها قدام المفعوصة دي
لا متهونيش طبعا ده انت تاج راسي يا ام الاوزعة
امتعض وجه الصغيرة واعترضت وهي تربع يدها بنزق طفولي 
يوووه أنا مش اوزعه
رفع حاجبيه وقال مشاكسا وهو ينهض 
حقك عليا يا ام نص لسان...انا شبعت هقوم اعملكو كوبيتين شاي كشړي أنما أيه عجب
أيدته شهد بينما هي تساءلت بكل عفوية 
شاي وكشري طب ازاي بتحط بدل السكر عدس و رز
قهقه بكامل صوته وشاركته شهد وحتى الصغيرة مما جعلها تشعر بالحرج الشديد وتقول متلعثمة 
هو يظهر انا فايتني كتير ... مش كده!
اجابها هو مشاكسا 
كده ...بس معذورة أصلك من كوكب تاني بس هفهمك وامري لله هو مش كشړي بالمعنى الحرفي هما سموه كده علشان بيتحط الشاي والسكر وبعدين يتحط عليهم الميا المغلية على البارد كده من غير ما يغلوا مع بعض لكن طعمه شاي عادي زي بتاعكم
أومأت له بتفهم بينما الصغيرة عقبت في لماضة 
ده انت باين عليك ابيضة خالص يا طنط ميرالومتعرفيش حاجة
برقت عين ميرالوعاتبتها بلطف عفوي وهي تقرصها من وجنتها 
حتى انت يا طمطم ده أنا بحبك
مطت الصغيرة فمها وهبت تجلس على ساقيها وتتعلق بعنقها قائلة بتضامن عاطفي 
وانا كمان بحبك ... لتؤشر على محمد وتستأنف بخفة 
هو أبو رجلين طويلة ده هو اللي وحش وبيغلس علينا كلنا
ضيق عيناه بغيظ وتقدم من جلستها قائلا وهو يقبض على منكبيها و يرفعها لأعلى تزامنا مع شهقة ميرال ومحاولتها التمسك بها وبين صړاخ شهد 
تعالي بقى مين ده ابو رجلين طويلة يا اوزعة يا ام نص لسان ده أنا ساكتلك من الصبح
ردت طمطمبشجاعة ليست بمحلها 
أنت يا حمود يا حبيبي أبو رجلين طويلة ومفيش في البيت أطول منك
اعتلى حاجبيه بشقاوة وسار بها رافعها لأعلى بيد وبالأخرى أخذ يدغدغها بها لتقرقر هي ضاحكة وترجوه كي يتوقف بينما هو قال مشاكسا وبسمته مازالت تزين وجهه 
هتقولي حرمت ولا اعلقك بدل النجفة
لتصيح الصغيرة مستسلمة 
حرمت ...حرمت مش هعمل كده تاني
لينزلها وتفر ميرال من جديد قائلة 
برضو رجليك طويلة
قهقهوا جميعا على مشاغبتهم سويا
بينما ضړب هو كف على آخر متمتا بغيظ 
ماشى يا طمطم الكلب مش هسيبك غير لما اقصرلك لسانك ده... بقى انا رجليا طويلة ...ولا التانية اللي بتقولي عدس ورز وبتقولي فايتك كتير ده فاضل شوية وتقولي متنساش الكمالة وبتزعل لما بقولها أنت من كوكب تاني.
عن زعل يتحدث هو! كل ما في الأمر أنها لا توده دائما يشعرها باختلافها عنه لذلك بررت وهي تدثر طمطم 
انا من نفس الكوكب بس أنت اللي ليك مصطلحات غريبة بحاول أفهمها
كاد أن يرد لولآ أن شهد قاطعته 
خلاص يامحمد وهي هتعرف منين كلامك ده بطل و روح اعمل الشاي ومتنساش القرنفل
هز رأسه بشكل درامي وقال وهو مازال محتفظ ببسمته المشاكسة 
أمري لله انا هروح بس حقن للدماء وعلشان خاطر الحلو
انفجروا ضاحكين على دعابته أما هي فكانت تعلم انه يقصدها هي بالحلو لذلك كانت تشعر بسعادة عارمة كونها لأول مرة ترى ذلك الجانب المشاكس من شخصيته مما جعلها تهيم بأثره دون قصد
غافلة عن عيون شهدالتي لاحظت ما يفيض من نظراتها وكم تمنت أن يكون حدسها صادق نحوها فقد أحبتها كثيرا وراقها تواضعها وعفويتها الصادقة في التعامل معهم.
كان في حالة من حالات الصراع النفسي تارة يعاتب ذاته على ما بدر منه بحقها وتارة يغشم حاله انه لم يخطأ وما حدث كان رد فعل لاستفزازها فهو لم يتعمد بتاتا ما حدث ولكن عقله العقيم تناسى حديثها و مواجهتها

الصريحة له بقناعتها التي تبدلت حتى حديث ذلك الطبيب له لم يعطيه اهتمام و هيأ له أنها سوف تتفهم أعذاره من أجل استقرار أطفالهم فهناك يقين راسخ داخله يخبره أنها مازالت تعشقه وسيصعب عليها تخطيه رغم ادعائها عكس ذلك
زفر حانقا دخان سجارته التي لا يعلم عددها لليوم واستند بجذعه على أحد الارائك التي تتوسط ردهة منزله وقد قرر أن يبيت عليها اليوم ويفر من منار فلا ينقصه دلالها وحقا لم يكن بمزاج راق كي يتودد لها او يراضيها الآن فعقله يضج بالكثير واخر ما ينقصه هي لتشتد مداهمة تلك الحړب الطاحنة برأسه وتكاد تفتك به ويقرر أن يذهب في الغد بحجة أن يطمئن على أطفاله ويتسأل اين يمكثون أثناء تواجدها بالمشفى ويحاول أن يؤثر عليها ويقنعها بأعذاره وهو يعتقد أنها ستغفر له كما تفعل على الدوام عندما يقنعها انه لم يتعمد الأمر
غافل كون الحريق الذي انشبه بقلبها ألتهم كل شيء بأحشائها له ولم يتبقى حفنة واحدة كي تتشفع له.
عاد بها لقصر أبيها دون أن تتفوه بشيء طوال الطريق فقط بسمة هادئة تعتلى ثغرها وهي تتذكر تفاصيل يومها معه فلأول مرة تنعم بدفء اسري وترى ترابط صادق مفعم بالمحبة بهذا الشكل وكيف تفعل وهي ربيت وحيده وبين اسرة مفككة لم تحظى ابدا في كنفهم بالاهتمام والدفء والسکينة التي شعرت بها بمنزله البسيط. انتشلها من شرودها صوته الأجش 
وصلنا يا ميرال
رفعت نظراتها له بتيه قبل أن تلحظ توقف السيارة بها أمام بوابة القصر لتجلس بزاوية المقعد كي تكون بمواجهته وتقول بإمتنان 
شكرا على اليوم الحلو ده بجد انبسطت معاكم اوي
هز رأسه ببسمة هادئة ثم تمتم بتلقائية 
فعلا كان يوم حلو وشهد اتبسطت انها اتعرفت عليك أصل من يوم الملاهي وطمطم مبطلتش كلام عنك
اتسعت بسمتها وهمست بعفوية شديدة بعدما تذكرت ذلك اليوم الذي طبع في ذاكرتها للأبد 
يااااه اليوم ده كان حلو بشكل ...تعرف إني عمري ما هنساه ابدا
أيدها بحركة من رأسه بينما هي استأنفت
بنبرة صادقة مفعمة بمكنون قلبها 
أي حاجة بشاركك فيها بتبقى مميزة بالنسبالي و أي حاجة ليها علاقة بيك لازم احبها حتى أختك وبنتها حبتهم جدا و كنت مبسوطة معاهم وكأني اعرفهم من سنين واتمنيت لو كنت بنتمي ليك زيهم يا حمود
تلجم لسانه عندما خصته بذلك اللقب المحبب على قلبه وابتلع ريقه بحلق جاف لم يصدق أن تلميحها له أصبح أكثر وضوحا بهذا الشكل أتظنه غبي لهذا الحد! لا هو ليس كذلك فقد غرق بها منذ الوهلة الاولى ولكنه كان يجاهد كي يبدو عكس ذلك ولكن الآن تداعت عزيمته على الأخير ولم يبقى بها ذرة ثبات واحدة فلو عليه كان يود أن يصرح الآن ويعلن للعالم أجمع كونها هي من زلزلت قاع قلبه ونسبت ملكيتها له ولكن ماذا يفعل إن تفوه بمشاعره ستكون بمثابة وعد صريح لها ولم يتعود أن ينقض الوعود وكيف لا يفعل وتلك الفوارق اللعېنة تعيقه وتحيل بينه وبينها
أما هي فقد اصابها إحباط من عدم رده فكم ودت لو صړخت الآن بوجهه وأخبرته أنها لا تطيق حالة التلبد التي هو عليها ولكن خشيت ردة فعله فماذا لو لم يبادلها حقا! هل سيظل صديقها كما يطلق على تقاربهم أم ستخسره حينها! حقا هي تخشي
تم نسخ الرابط