رواية ضروب العشق بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق بقلم ندى محمود توفيق
المحتويات
الذي كان يخفيهم عنها .
أما حسن فقد قضي أسبوعا كاملا بمفرده في المنزل يستيقظ فيذهب للعمل ويعود ليقضي سبع أيام في روتينية مملة ويعترف أخيرا بينه وبين نفسه أنها تركت بصمتها بمجرد رحيلها عن المنزل ولقد اعتاد عليها برغم من شجارهم اليومي وخلال هذا الأسبوع خلفت فراغ في نفسه خلفها .. حتى في العمل كانت لا تأتي سوى ساعات قليلة ولا يراها فيهم حيث تحرص على القدوم والذهاب دون إن يراها !! .
كانت تكمن في غرفتها وتتطلع لمرآتها تمعن النظر في ملامحها وفستان السهرات البسيط الذي قامت رفيف بشرائه خصيصا لها واقنعتها بعد عناء بأنها لا يجب أن ترتدي الأسود في مناسبة كهذه فرضيت أخيرا مغلوبة على أمرها . رأت الدموع تنهمر من عيناها في ألم وحړقة امتزجوا بالشوق شوق لأحبائها الذين سرقهم المۏت منها فتركها وحيدة بلا عائلة وبلا سند أو حصن تحتمي به فليس هناك شيء يعوض العائلة وكم تمنت أن يكون أخيها معها وهو من يسلمها بيده لزوجها وترى السعادة في أعين والدتها التي طالما ودت أن تراها بفستان زفاف ابيض ولكن ماذا عساها أن تفعل سوى تذكرهم والاشتياق لهم والحزن على فراقهم الذي يمزقها كل يوم وكل
فتحت رفيف الغرفة ودخلت وحين رأتها في الفستان الحراري وحجابها الذي يأخذ نفس اللون ابتسمت بإعجاب وتمتمت
_ إيه القمر ده بس يلا عشان المأذون وصل تحت
جففت دموعها فورا قبل أن تلاحظها وبادلتها الابتسامة العذبة ثم القت نظرة من النافذة على حديقة المنزل لتجدهم جميعا بالأسفل ويتحدثون فيما بينهم وأخيرا وقع نظرها عليه لتراه يأخذ مكانه بجانب المأذون وشارد تماما في اللاشيء أمامه لتتنهد بعمق وترفض عقلها الذي يخبرها في ڠضب حمقاء وبلا كرامة وافقتي على الزواج منه وإنتي تعرفي جيدا أنه لا يحبك وربما أيضا لا يريدك وتستمعي لأوهام قلبك المړيض بأنك ستجعليه يحبك وهذا غير ممكن ! استفاقت من تعنيف عقلها الشديد لها على صوت هدى هذه المرة وهي تطالعها بلطف وحب هاتفة
التفتت لها فأخذتها من يدها وخرجت لهم ليضرب حسن كتفه بكتف أخيه الشارد حتي ينتبه لهم وبمجرد ما عاد لواقعه ووقعت عيناه عليهم هب واقفا يرسم ابتسامة جميلة على شفتيها يستقبلها بها حتى وصلت وجلست بجواره وبدأت مراسم الڼكاح فورا والتي انتهت بقول المأذون كالمعتاد بارك لكما وبارك عليكما وجمع بينكم في خير ثم يبدأ هو في تلقي التنهئات التي كانت بسعادة غامرة من أفراد عائلة باستثناء اشقائه الذين عانقوه وهنئوه في ابتسامات هادئة لعلمهم جيدا بأنه لم يتزوج رغبة منه أو رغبة فيها ولكنه رغم هذا وبداية من هذه اللحظة وقع الوثائق مع نفسه بأنه سيكون رجلا معها كما يجب أن يكون
بعد قضاء ما يقارب الثلاث ساعات وهم مجتمعين يضحكون ويتحدثون في مرح وسعادة لم يتبقى سوى عائلة محمد العمايري وبينما كان طاهر وزوجته وابنه في طريقهم لليسارة حتى يرحلوا استقامت يسر من جانب زوجها وهمت بأن تلحق بهم لتعود معهم فتجد يده تقبض على رسغها وهو يوجه لها نظرات قاټلة في همس
_ رايحة فين !
انحت قليلا ناحيته وغمغمت في هدوء مستفز
اجلسها بجانبه مجددا عنوة وهمس في أذنها بنبرة صوت ملتهبة
_ هترجعي معايا البيت كفياكي أوي كدا أنا سبتك أسبوع براحتك ومتكلمتش
القت نظر على الباقية لتجد كل من رفيف وملاذ وشفق منشغلين بالحديث مع بعضهم وكرم وزين يتحدثون مع والدتهم في شيء ما بصوت خاڤت لتعود بنظرها له وتبعد يده عنها ببطء متمتمة في استهزاء
_ ده على اساس أنك دايب في دباديبي مثلا ومش قادر تقعد من غيري
ابتسم وقد قرر أن يشعل نيران سخطها ويستفزها حيث أكمل همسه في إهانة واضحة لها
بها شيء من الوقاحة
_ لا بس مش قادر اقعد من غير الخدامة اللي بتأكلني وبتغسلي هدومي وبتخدمني وبتلبيلي كل طلباتي حتى الطلبات اللي بالي بالك
جزت على أسنانها وقد نجح في تحقيق مبتغاه وهو إشعال نيرانها واندلاع ثورتها الداخلية فوجدها تطالعه بأعين ڼارية تكاد تحرقه بها وتهتف في استحقار ونظرات وضيعة
_ تعرف إن أنت حيوان أوي !
عاد ليقبض على ذراعها من جديد ولكن في قوة المتها وهتف بتحذير مبتسم يحاول إخفاء سخطه من إھانتها المباشرة له
_ احترمي نفسك يامزتي بلد ما اقصلك لسانك الطويل ده
دفعت هذه المرة يده عنها في خنق واشاحت بوجهها عنه بل ونهضت من جانبه تماما واتجهت لتجلس بجانب الفتيات تشاركهم حديثهم قبل أن ټنفجر في ذلك المستفز من الغيظ .
وبعد مايقارب الساعة كل منهم أخذ زوجته وذهب لمنزله ولم يتبقى سوى رفيف وهدى حيث هتفت رفيف مداعبة
_ خلصتي من ولادك التلاتة يادودو .. يارب تكوني مرتاحة مفضلش غيري أنا وإنتي أهو في وش بعض
قهقهت هدى ضاحكة وتمتمت براحة ولكنها امتزجت بشيء من الضيق
_ أكيد مرتاحة وهبقى مرتاحة أكتر لما اشوفهم مبسوطين واشيل ولادهم إن شاء الله واشوف كرم مبسوط مع مراته يارب وأنا واثقة إن شفق هتنسيه اروى وهتشوفي وتقولي ماما قالت
شاركتها الضحك وهي تقول
_ مابلاش الثقة المفرطة دي يادودو !
_ يس يابت
اتلمي قومي يلا من جمبي سبيني استجم شوية مع نفسي
فعلت كما أمرتها واستقامت ضاحكة وهي تبتعد عنها تاركة إياها ترفع يداها للسماء وتدعي لجميع ابنائها بقلب أم صادق في دعائه وحبه لأولاده ! .
وضع كرم المفتاح في قفل الباب واداره للشمال ثم فتحه ودخل أولا لتدخل هي بعده ويغلق الباب بهدوء ويتابعها وهي تتأمل في المنزل الذي تراه لأول مرة كان يحتوى على أثاث عصري وجميل والوان الحوائط هادئة وجميلة لتنتفض من شرودها على صوته الرخيم وهو يتمتم باسما
_ مكنش في وقت عشان اجيبك تتفرجي وتشوفي لو حابة تغيري حاجة أو كدا بس احنا فيها أهو واعملي اللي إنتي عايزاه لو في حاجة مش عجباكي خلاص ده بيتك
التفتت له برأسها وهمست في رقة ساحرة وهي تهز رأسها نافية
_ لا بالعكس كل حاجة في البيت جميلة خالص ماشاء الله
_ طاب كويس تعالي بقى قبل ما تدخلي أي مكان في
البيت هوريكي حاجة
قطبت حاجبيها باستغراب ولكنها تبعته في صمت حتى وصلا أمام باب غرفة لونه بني ثم مسك المقبض وفتح الباب وهو ينظر لها بابتسامته المعهودة التي تسرق قلبها يطلب منها الدخول أولا لتخطو أول خطواتها وتلجم الدهشة لسانها وهي تحدق بالحائط فاغرة عيناها وشفتاها !! ......
...........
_ الفصل السادس عشر _
ظلت للحظات طويلة تحدق في هذه الصورة الضخمة التي تملأ الحائط من أعلاه لأسفله وسرعان ما غامت عيناها بالعبارات وسقطت دموعها غزيزة على وجنتيها حيث كانت الصورة تجمعه مع أخيها فاقتربت ناحية الحائط وهي تملس بيدها على أخيها في الصورة بابتسامة مريرة حتى سمعته يهتف
_ الصورة دي عملتها بعد ۏفاته بأسبوع وكنت كل ما باجي البيت هنا بفضل اتفرج فيها
التفتت له وقالت بصوت باكي ووجه مملتيء بالدموع مع ابتسامة واسعة
_ جميلة اوي ياكرم بجد هو كان بيحب الصورة دي أوي ليكم
توجه ناحيتها ووقف خلفها مغمغما في حنو ودفء استشعرته في صوته
_ فعلا .. بس لو إنتي كل ما تدخلي الأوضة وتشوفيها هتعيطي كدا أنا ممكن اشيلها
التفتت له بجسدها كاملا وهتفت تنهاه بسرعة وهي تجفف دموعها بظهر كفها
_ لا لا اوعى متشيلهاش هزعل منك أوي بجد لو شلتها شكلها جميل خالص
اكتفى بابتسامته اللطيفة لتبتعد عنه وتبدأ في تفقد بقية المنزل وهو معها ثم جلسوا يتحدثون في امور مختلفة إلى مايقارب النصف ساعة تارة يغلب عليهم
الضحك وتارة الجدية في أحاديث أخرى إلى أن دخلت غرفتها وبدلت ملابسها وارتدت بيجامة منزلية مريحة ورفعت شعرها الناعم لأعلى بشيء تثبته به لتنسدل بعض خصلاته على وجهها من الأمام وعنقها من الخلف وسرعان ما انتفضت واقفة في فزع عندما سمعت طرقه على الباب وصوته فتوترت بشدة وترددت قبل أن تفتح ولكنها حسمت أمرها واتجهت لتفتح له ولم يكن وضعه يختلف عنها كثيرا ولاحظت توتره في نبرة صوته وهو يقول
_ أنا في الاوضة التانية لو عوزتي حاجة اندهي عليا
ظهرت علامات الأسى والخنق على محياها وهي تقول في يأس
_ إنت هتنام في الأوضة التانية !
أطال النظر في محياها لثلاث ثواني قبل إن يهتف في لطف
_ آه لو إنتي حابة أنام معاكي مفيش مشكلة
ارتبكت وهزت رأسها بالنفي وهي تقول متلعثمة
_ لا لا براحتك مقصدش كدا أنا كنت بسأل بس
_ أمممم طيب تصبحي على خير
ردت عليه في ابتسامة مزيفة رسمتها بمهارة وإنت من أهله ثم اغلقت الباب ببطء واتجهت ناحية فراشها لتجلس عليه وهي تلوي فمها بحزن وتسمع صوت عقلها الذي لا يكف عن تأنيبها لما
الحزن وفري حزنك فهذه البداية فقط زفرت بشجن وعدم حيلة ثم جففت الدموع التي ركضت لعيناها وتمددت على الفراش متدثرة بالغطاء وهي تغمض عيناها لتهرب من أحزانها عن طريق النوم .
أما هو فقد ذهب للمطبخ ليشرب المياه وقبل أن يضع كوب الماء في فمه انزله وهو يتأفف مغلوب على أمره فلا يستطيع تجاهل صوته الداخلي الذي يأنبه بأنه سيتركها تنام بمفردها في أول ليلة لهم في منزلهم ولا يستطيع أيضا التغاطي عن شعوره بأنها تضايقت ليرفع كوب الماء مجددا لفمه ويشربه دفعة واحدة ثم يعود متجها نحو غرفتها أو غرفتهم بالمعنى الأصح ثم فتح جزء صغير من الباب في تردد وهو يجاهد في السيطرة على مشاعره المضطربة فهو لا ينكر توتره بمجرد هي واليوم سيبذل مجهود عظيم ليشاركها في نفس الفراش والغطاء تغلب على اضطرابه وفتح الباب كاملا ثم دخل وأغلقه خلفه بينما هي فظلت توليه ظهرها وتتصنع النوم ظنا منها أنه دخل ليأخذ شيء وسيغادر مرة أخرى ولكن لحظات ووجدته يتسطح على آخر الفراش لتلتفت له برأسها في شبه ذهول وتتمتم في عدم فهم
_ إنت مش كنت هتنام في الأوضة التانية !
ابتسم
متابعة القراءة